مجلة القضاء المدني العدد الخامس

افـتـتـاحـيـة

 

يسر مجلة القضاء المدني أن تضع بين يدي قرائها الكرام عددها الخامس، الذي يضم مجموعة من البحوث العلمية القيمة، وعددها سبعة، بالإضافة إلى تعليق على قرار، فخمسة منها في مجال القانون المدني والقانون القضائي الخاص، واثنين في نطاق قانون الأعمال والمقاولات، والأخير في تخصص القانون الإجتماعي.

ففي مجال القانون المدني نستهل باب دراسات وأبحاث ببحث قيم للأستاذ الدكتور قطب الريسوني حول (( ما جرى به العمل في الفقه المالكي: نظرية في الميزان ))، ويتطرق فيه إلى أحد الملامح الاجتهادية التي تسترعي النظر في فقه القضاء المالكي، وهي نظرية ما جرى به العمل، التي مقتضاها العدول عن مشهور المذهب، التفاتا إلى مصلحة مجتلبة، أو مفسدة مدفوعة، أو عرف جار، وهذا البحث هو دراسة نقدية للنظرية تتغيى إحلال فقه العمل المنزلة التي تليق به، بعيدا عن الوكس والشطط، وصولا إلى الاستثمار الأمثل لهذا الملمح الاجتهادي، وصينه عن المخالفة، حتى يعود على القضاء بعائدة الخير والنماء، لانبنائه على مدارك شرعية صحيحة، تفتح باب الاجتهاد على مصراعيه لمن توفر على آلته، واستجمع شروطه.

ويحتوي العدد على بحث بعنوان ((الاختصاص القضائي في تسليم نسخة تنفيذية ثانية )) للدكتور عبد العلي حفيظ، يبحث فيه ضوابط الحصول على نسخة تنفيذية ثانية في حال ضياع النسخة الأولى، باعتبارها التجسيد المادي للسند التنفيذي كمفترض أساسي للتنفيذ الجبري، والذي لا يمكن العدول عنه إلا في حالات استثنائية محصورة بنص القانون، وقد عالج فيه مفهوم النسخة التنفيذية والوسائل الممكن اعتمادها في إثبات فقدها، وكذا المقصود بقاضي المستعجلات المختص بتسليمها، وهل الأمر يتعلق بالاختصاص الاستعجالي العام، أم هو اختصاص استعجالي بنص خاص ينفرد به رئيس المحكمة الابتدائية وحده.

كما يضم العدد بين دفتيه بحثا للأستاذ عبد العزيز إدزني حول موضوع (( مرض الموت بين ضعف الإدراك وحماية الدائنين والورثة))، يتلمس فيه الأساس الفقهي والفقهي لنظرية تقييد التصرفات المبرمة في مرض الموت، مع استعراض الاتجاهات الفقهية المتعلقة به، إذ هناك من يعتبر مرض الموت عيبا من عيوب الرضا، ومن يعده حالة من حالات انعدام الأهلية، ومن يرجعه إلى تعلق حق الدائنين والورثة بمال المريض. تليه دراسة لنا حول (( مراجعة السومة الكرائية للمحلات الحبسية بين واقع النصوص وإكراهات التطبيق))، هي في الأصل مداخلة ساهمنا بها في أشغال اليوم الدراسي الذي نظمته شعبة القانون الخاص، بتعاون مع مجلة الحقوق المغربية حول موضوع “آليات تحديد ومراجعة السومة الكرائية في القانون المغربي”، يوم 10 فبراير 2011، بمقر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، حيث استعرضنا فيها القواعد الخاصة بمراجعة مراجعة السومة الكرائية للمحلات الحبسية التي أصبحت تطرح إشكالا كبيرا على مستوى التطبيق القضائي فيما يخص تحديد المقتضيات التي تحكم هذه المراجعة، بين اتجاهين؛ الأول يقبل طلبات المراجعة، مع إخضاعها لتلك المقتضيات العامة المتعلقة بمراجعة السومة الكرائية، والثاني يرفض هذه الطلبات، بما ينجم عنه عدم الاعتراف بأحقية كل من الجهة المشرفة على الوقف، وكذا المكترين المتعاقدين معها في سلوك مسطرة المراجعة هذه. وقد مهدنا لذلك ببحث حول موقف الفقه الاسلامي والتشريع الوضعي من مسألة تحديد وجيبة كراء المحلات الحبسية، والزيادة فيها.

وفي مجال قانون الأعمال والمقاولات، يتضمن العدد بحثا حول ((الوضعية القانونية للمنعش العقاري)) للأستاذ الدكتور محمد الوكاري، يبحث فيه المركز القانوني للمنعش العقاري، والذي يتميز بغموض مفهومه، وتداخل في مجال أنشطته، علاوة على غياب تقنين دقيق للمهنة رغم تعقد الإشكالات المرتبطة بهذا الموضوع. فعملية البناء اليوم تتطلب من المنعش العقاري القيام بأنشطة مختلفة تشكل مهمته الأساسية، لكن طرق تدخله تختلف بحسب نوع هذا التدخل، الذي قد يكون هو تنظيم عملية البناء أو قد يتعلق بتشييد هذا البناء، أو بأن يعهد بهذا التشييد إلى الغير. وهذه الأدوار في الواقع ليست بهذا الوضوح، حيث يوجد تداخل في أنشطة المتدخلين في عملية البناء، وخلطا في مفهوم الإنعاش العقاري وعدم تمييزه عن باقي الأنشطة. ويأتي جانب من هذا الخلط من غموض المفهوم ذاته، ومن قيام أشخاص من الأنشطة المجاورة له (( مقاول البناء، والوكيل العقاري …))، أو من مهن من المفروض أن تمتنع عن القيام بالإنعاش العقاري أو بأنشطة تدخل في اختصاص المنعش العقاري. يتبعه بحث للأستاذ معمرو بومكوسي بعنوان (( ضمانات تشكيل الهيئة التحكيمية))،  يتناول فيه الاشكالات المرتبطة بكيفية تشكيل الهيئة التحكيمية، حيث وقف عند أهم الشروط الواجب توافرها في المحكم، والتي تشكل ضمانات للمحتكمين من أجل الوصول الى حكم تحكيمي عادل، كما استعرض قواعد تشكيل الهيئة التحكمية، سواء تعلق الأمر بالتشكيل الاتفاقي لهيئة التحكيم، وهو الذي يتم من طرف المحتكمين أنفسهم، أو بالتشكيل القضائي الذي يتميز بتدخل من القضاء كلما شاب تشكيل الهيئة نقص في عدد أعضاءها، أو حدث أمر عارض عاق عملية تشكيلها بشكل سليم.

ويختتم هذاالباب ببحث للأستاذ يوسف بوكنيفي في مجال القانون الإجتماعي، يتناول فيه ((ضوابط ممارسة نشاط مقاولات التشغيل المؤقت في التشريع المغربي والمقارن))، كصورة من صور الوساطة في الاستخدام، وقد عالج فيه الشروط الخاصة المتطلبة في كل ممارس لنشاط مقاولة التشغيل المؤقت، وكذلك الرقابة التي تخضع لها هذه المقاولات طيلة فترة ممارسة نشاطها من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل.

وفي باب أحكام وتعاليق، يضم العدد تعليقا للأستاذ عبد العزيز إدزني على القرار الاستعجالي الصادر عن محكمة الاستئناف بمراكش الصادر تحت عدد 1922، بتاريخ 20 دجنبر 2010، يناقش فيه صفة رئيس مصلحة كتابة الضبط في طلب تعيين قيم من أجل تبليغ الحكم الغيابي، على ضوء موقف محكمة الاستئناف بمراكش في القرار موضوع التعليق، المؤيد للأمر الاستعجالي الصادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش برفض طلب تعيين قيم من أجل تبليغ الحكم الصادر غيابيا للمحكوم ضده، والمقدم من طرف رئيس كتابة الضبط، بعلة إنعدام صفته في تقديم طلب من قبيل هذا، وأن هذا الاختصاص موكول فقط للنيابة العامة. وقد ذيل هذا الباب بما يربو عن 39 قرار تمثل أهم الاجتهادات القضائية الصادرة حديثا عن المجلس الأعلى في المواد المدنية تتوزع بين أحكام مدنية وشرعية وتجارية واجتماعية تعالج إشكالات ذات أهمية على المستوى العملي.

كما نضع بين يدي قرائنا الأعزاء في باب نصوص ووثائق، نص ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07، وكذا دورية وزير الداخلية عدد 123 بتاريخ 10/11/2006 حول مسطرة إعداد الشواهد الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية على العقارات.

ويتضمن باب ” أعمال جامعية ” تقريرا حول أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص من كلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة، تقدم بها الأستاذ الباحث عبد الرحمان حموش حول موضوع: ” المسؤولية العقدية للمهندس المعماري في القانون المغربي والمقارن “، ونال بها لقب دكتور في الحقوق بميزة مشرف جدا، مع التوصية بالنشر.

وكالعادة، تختتم المجلة ترتيب موادها في العدد الماثل ب” كشاف القضاء المدني”، الذي يتضمن فهرسة لعدد من المقالات والأبحاث المنشورة بدوريات زميلة في النصف الأول من هذه السنة، وكذا الرسائل والأطروحات التي تمت مناقشتها خلال نفس الفترة في عدد من كليات الحقوق بالجامعات المغربية، وذلك بالاضافة إلى تتبع أحدث الإصدارات في الساحة القانونية، يليها عرض لمجموعة من القواعد المستخرجة من أهم القرارات غير المنشورة في مختلف المواد المدنية الصادرة عن المجلس الأعلى في الأونة الأخيرة.

وكلنا أمل أن يحظى هذا العدد برضاك قارئي الكريم، وأن تجد فيه ما يشفي غليلك العلمي، والله ولي التوفيق.

زكرياء العماري

الرباط في 06 مارس 2012