مجلة القضاء المدني العدد الثالث

افـتـتـاحـيـة

يسر مجلة القضاء المدني أن تضع بين يدي قرائها الكرام عددها الثالث، الذي يأتي متأخرا عن موعده بثلاثة أشهر لإكراهات فنية، ترجع بالأساس إلى الحرص الشديد من طرف هيئة إدارة المجلة على جودة ما تضمنها من مواد، وما يعبر عنه على صفحاتها من آراء.

ويضم هذا العدد مجموعة من البحوث العلمية القيمة، وعددها ثمانية، بالإضافة إلى ثلاثة تعاليق على أحكام، فأربعة منها في مجال القانون المدني والقانون القضائي الخاص، وثلاثة في نطاق قانون الأسرة، وثلاثة في تخصص القانون التجاري، والأخير في مجال القانون الإجتماعي.

ففي مجال القانون المدني نستهل باب دراسات وأبحاث بالجزء الأول من دراسة قيمة من المملكة الأردنية الهاشمية للأستاذ الدكتور أنيس منصور المنصور حول (( إعلان ختام المحاكمة في قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني ))، يتعرض فيه لإعلان ختام المحاكمة كمرحلة أساسية من مراحل إصدار الحكم القضائي، بحيث يتضمن هذا الجزء التعريف بختام المحاكمة، وتحديد أهميته، إضافة إلى بيان الشروط التي يلزم استيفاؤها لإعلان ختام المحاكمة.

ويحتوي العدد على بحث بعنوان ((حالة وأهلية الأجانب في التشريع المغربي )) للدكتور أحمد زوكاغي، وهو يتناول تحديد القانون الذي يحكم حالة وأهلية الأجانب المقيمين بالمملكة، على ضوء القواعد الواردة في الظهير المنظم للوضعية المدنية للأجانب بالمغرب، وكذا ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بقانون الالتزامات والعقود.

كما يضم العدد بين دفتيه بحثا للدكتور عبد العالي حفيظ حول موضوع ((الأثر التطهيري الناجم عن البيع الجبري للعقار بالمزاد العلني )) هو عبارة عن تحليل لمقتضيات الفصل 212 من ظهير  02يونيو 1915 الذي ينص على أن تسجيل محضر المزايدة عندما يصبح نهائيا يطهر العقار من جميع الامتيازات والرهون، ولا يبقى للدائنين من حق إلا على الثمن، متسائلا في هذا الصدد حول ما إذا كان أثر التطهير هذا يقتصر على العقارات المحفظة، أم يشمل حتى العقار غير محفظ أو  في طور التحفيظ ؟ وحول ماهية الحقوق التي يشملها التطهير والحقوق المستثناة منه.

وفي مجال الأحوال الشخصية يقدم الأستاذ الدكتور عبد القادر قرموش بحثا بعنوان ((حدود الدور الاصلاحي للقضاء في قانون الأسرة))، يتحدث فيه عن الدور الاجتماعي الذي يلعبه القضاء في النزاعات المتعلقة بالأسرة من خلال محاولة إصلاح ذات البين، ويبحث فيه أسباب عدم فاعلية آلية الصلح هذه في أنهاء كثير من النزاعات الأسرية، إذ أن قلة فقط من القضايا هي التي يكون النجاح فيها حليف القاضي  في التوفيق بين الزوجين، وذلك بالرغم من قوة التدخل القضائي وسعة الصلاحيات التي يملكها لتدبير شؤون الأسرة. تليه دراسة قيمة للأستاذ عز الدين بوخريص حول ((سلطة المحكمة في تقدير التعويض عن الإنهاء التعسفي للعلاقة الزوجية))، يتطرق فيها إلى السلطة الممنوحة للمحكمة في تقدير مبلغ التعويض الممكن الحكم به على أحد الزوجين لفائدة الأخر المتضرر من مسطرة التطليق للشقاق والعناصر التي تعتمدها في ذلك، مع التمهيد لهذا الأمر ببحث حول الأساس القانوني لهذا التعويض، وما إذا كان ينبني على قواعد المسؤولية التقصيرية القائمة على أساس الخطأ الشخصي، أم على أساس المسؤولية العقدية التي مصدرها العقد الرابط بين الطرفين، أم على أساس نظرية التعسف في استعمال الحق بشكل يتجاوز الحدود، وينطوي على إلحاق ضرر بالطرف الآخر؟.

وفي مجال قانون الأعمال والمقاولات يتضمن العدد بحثا حول ((التمييز بين الملكية القانونية والملكية الاقتصادية من خلال نظرية الفقيه الفرنسي Charle Goyet )) للدكتور محمد العلواني يبسط فيه نظرية فيه الفقيه الفرنسي Charle Goyet بخصوص تحديد الطبيعة القانونية للسلطات أو المكنات التي يتمتع بها كل من الدائن والمدين في إطار توظيف الملكية على سبيل الضمان في العمليات الائتمانية، والتي ينطلق فيها -أي الفقيه – من حق الملكية ذاته، بتبنيه لطرح وتوجه جديد يقوم على أساس تجزيىء حق الملكية إلى صورتين يختلف وصفهما باختلاف أطراف العلاقة التعاقدية للعملية الائتمانية موضوع الملكية كضمان، بحيث تم اعتبار المدين في إطارها مستفيدا من ملكية ذات طبيعة خاصة، اصطلح عليها بالملكية الاقتصادية، تمييزا لها عن الملكية القانونية التي يحتفظ بها الدائن. يتبعه بحث للأستاذ الدكتور محمد محبوبي بعنوان ((حماية حقوق الفنان وفقا للقانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة))، حاول فيه استعراض الحماية التي يوفرها القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة للفنانين بالمغرب، مركزا في ذلك على الدور الذي تؤديه الأجهزة الإدارية ممثلة في المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، وإدارة الجمارك في الحد من جرائم القرصنة التي تمس حقوق الفنانين، وكذا ما يساهم به القضاء من زجر لهذه الأفعال، وردع الغير عن الاتيان بها.

ويختتم هذا الباب ببحث للأستاذ رشيد الزعيم في مجال القانون الإجتماعي بعنوان ((الخطأ الجسيم بين تعدد المفاهيم ووحدة المعايير )). وهو يتناول محاولة تحديد مفهوم الخطأ الجسيم الذي اختلف الفقه والقضاء في تعريفه، مع بيان المعايير المعتمدة في إصباغ طابع الجسامة على السلوك الصادر عن الأجير.

وفي باب أحكام وتعاليق، يضم العدد تعليقا على قرار المجلس الأعلى الصادر تحت عدد 1499، بتاريخ  06 أبريل 2010 للأستاذ النقيب الطيب بن المقدم ينتقد فيه موقف المجلس الأعلى بخصوص نزع صبغة المشروعية عن المقررات التي تتخذها مجالس هيئات المحامين بالمغرب، بفرض رسوم انخراط على ولوج مهنة المحاماة، ويرى في موقف المجلس هذا تجاهلا وإهمالا لمصدر من مصادر القانون، واجب التطبيق في ميدان المحاماة، ألا وهو العرف و استبعادا لقواعد النظام الداخلي لمهنة المحاماة، واللذان يعتبران حسب رأيه سندا لحل إشكالية رسم الانخراط، يتلوه تعليق للأستاذ الدكتور أحمد زوكاغي في مجال قانون الأحوال الشخصية  على قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء صادر تحت عدد 1381 بتاريخ 06 يوليوز 1994، بحث فيه أثر اعتناق الديانة الإسلامية على صحة الزواج من امرأة كتابية. وقد ذيل هذا الباب بما يربو عن 25 حكم تمثل أهم الاجتهادات القضائية الصادرة حديثا عن مختلف المحاكم المملكة في المواد المدنية تتوزع بين أحكام وقرارات تعالج إشكالات ذات أهمية على المستوى العملي.

كما نضع بين يدي قرائنا الأعزاء في باب نصوص ووثائق نص مشروع القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية كما أحيل على مجلس النواب، والذي شرع في دراسته على مستوى لجنة العدل والتشريع.

ويتضمن باب ” أعمال جامعية ” تقريرا حول أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص من كلية الحقوق بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، التي تقدم بها الأستاذ الباحث عبد القادر قرموش حول موضوع “الدور القضائي الجديد في قانون الأسرة المغربي”، ونال بها لقب دكتور في الحقوق بميزة مشرف جدا، مع التوصية بالنشر.

وكالعادة تختتم المجلة ترتيب موادها في العدد الماثل ب” كشاف القضاء المدني”، الذي يتضمن فهرسة لعدد من المقالات والأبحاث المنشورة بدوريات زميلة في النصف الثاني من السنة المنصرمة، وكذا الرسائل والأطروحات التي تمت مناقشتها خلال نفس الفترة في عدد من كليات الحقوق بالجامعات المغربية، وذلك بالاضافة إلى تتبع أحدث الإصدارات في الساحة القانونية، يليها عرض لمجموعة من القواعد المستخرجة من أهم القرارات غير المنشورة في مختلف المواد المدنية الصادرة عن المجلس الأعلى في الأونة الأخيرة.

وكلنا أمل أن يحظى هذا العدد برضاك قارئي الكريم، وأن تجد فيه ما يشفي غليلك العلمي، والله ولي التوفيق.

المدير المسؤول

زكرياء العماري