مجلة القضاء الجنائي العدد الأول

افـتـتـاحـيـة

 

شكل التجاوب الذي لقيته – ولله الحمد- مجلة القضاء المدني، ومن بعدها مجلتي القضاء الإداري والقضاء التجاري، من لدن مختلف المهتمين بحقول القانون المعرفية منذ صدور أعدادهن الأولى، حافزا مهما لنا على دعم هذه التجربة، والمضي قدما في ترسيخ نهج التخصص الذي عاهدنا قرائنا الكرام عليه ووضعنا ركائزه الأولى مع مجلة القضاء المدني.

واليوم نضع بين يدي القراء الكرام العدد الأول من مجلة القضاء الجنائي، والتي تندرج ضمن مشروع يتعلق بإصدار دوريات متخصصة في حقول القانون الرئيسية، وهو أحد المشاريع الستة التي نتولى تنفيذها بتنسيق مع المركز الوطني للدراسات والعلوم القانونية بالرباط في إطار رؤية استشرافية لمستقبل البحث العلمي بالمغرب تهدف إلى تنمية الأبحاث والدراسات الفقهية والقانونية.

ويأتي اختيار التخصص في المادة الجنائية، بعد المادة المدنية والمادتين الإدارية والتجارية، وعيا منا من جهة بالأهمية التي يشكلها القانون الجنائي ضمن المنظومة القانونية كفرع مستقل وقائم بذاته ومتميز من حيث بناءه وخصائصه والقواعد التي تؤطره عن باقي فروع القانون الأخرى، ومن جهة ثانية تلبية للحاجة الملحة التي أصبحت تفرض ضرورة وجود مجلات متخصصة عدة تواكب الاشكالات المستجدة التي تطرحها التشريعات المتعلقة بالقوانين الجنائية وعلاقتها بمنظومة حقوق الانسان.

وستعتمد المجلة في تبويبها على محاور ثابتة، تتميز بتنوعها وشمولها لكل ما يرتبط بالمواد الإدارية، من دراسات وأبحاث وأحكام وتعاليق ونصوص تشريعية وتنظيمية وفهرسة…، بحيث ستفتتح المجلة كل عدد منها بمحور مخصص للدراسات والأبحاث ستدرج فيه المساهمات العلمية المتعلقة بالاشكالات الراهنة التي يفرزها التطبيق العملي لمختلف النصوص القانونية المرتبطة بالقوانين الجنائية الموضوعية والإجرائية، يليه محور أحكام وتعاليق سيخصص لنشر آخر الإجتهادات القضائية الصادرة عن محاكم المملكة بمختلف درجاتها، مع التركيز بالخصوص على اجتهادات محكمة النقض، اعتبارا لما ينطوي عليه الاجتهاد الصادر عن محكمة النقض من استقرار نسبي، ومن حجية أقوى تجعل محاكم الموضوع ملزمة أدبيا بالتقيد به مخافة تعرض أحكامها وقراراتها للنقض عند مخالفته. وانطلاقا من الدور المنوط بمحكمة النقض- باعتبارها تتربع على هرم التنظيم القضائي بالمغرب- من أجل السهر على مراقبة حسن تطبيق وتأويل القاعدة القانونية، وصولا إلى توحيد الاجتهادات القضائية على مستوى المملكة.

وسيردف بمحور نصوص تشريعية وتنظيمية يتم تخصيصه لإستعراض مختلف النصوص القانونية المنشورة بالجريدة الرسمية والتي لها علاقة بالمادة الزجرية، سواء تعلق الأمر بقوانين أو مراسيم أو قرارات وزيرية، أو دوريات مناشير، مع الانفتاح على مشاريع ومقترحات القوانين، لوضعها رهن إشارة الباحثين من أجل خلق نقاش فكري حولها، وتناولها بالتقييم والنقد البناء لتوجيه المشرع إلى تجاوز ما تنطوي عليه من قصور قبل اعتمادها.

أما المحور الرابع والمعنون ب-  أعمال جامعية- فتنفتح فيه المجلة على النشاط الجامعي من أجل خلق صلة وصل بين الجامعة ومحيطها، يتم من خلالها التعريف بالرسائل والأطروحات المناقشة حديثا، مع تغطية ما يعقد بمدرجات الجامعة من ندوات وأيام دراسية لها ارتباط بمجالات اهتمام المجلة. لتختتم المجلة محاورها بنافذة – كشاف القضاء الجنائي، وتهدف من خلالها المجلة إلى حصر وتكشيف المعلومات المتعلقة بالأبحاث والدراسات والاجتهادات القضائية المتعلقة بالمادة الجنائية، والتي تم نشرها بالدوريات المغربية عن طريق توفير البيانات الببليوغرافية الأساسية كعنوان العمل ومؤلفه، وبيانات النشر وما إلى ذلك من بيانات تهم الباحث بالنسبة للمساهمات، والقواعد بالنسبة للإجتهادات القضائية، وذلك بغية توفير دليل للباحثين والمهتمين يكون طريقهم إلى المعلومات التي تخص أحدث الأبحاث المنجزة والأحكام الصادرة بهذا الخصوص.

إلا أنه ومهما كانت عزيمتنا صادقة في الرقي بهذه الدورية والدفع بها إلى الأمام بغية إيجاد موطئ قدم لها في ساحة تعج بالاصدرات، فإن هذه الإرادة لن تبلغ مداها إلا بتظافر عاملين إثنين: أولهما أن تلقى هذه المبادرة تجاوبا وتفاعلا منك قارئي الكريم ومن كافة المنشغلين بمجالات اهتمام المجلة من باحثين وقضاة ومحامين…، وثانيهما أن تحافظ المجلة على طابع رصين لها، وهو ما لن يتأتى لها إلا بالحرص على جودة ما ينشر بها من مواد، مما يستدعي اعتماد المجلة لنظام التحكيم العلمي، وذلك بعرض المساهمات والأبحاث المرشحة للنشر على لجنة علمية تتولى تحديد مدى استيفائها للضوابط العلمية المتعارف عليها في هذا المجال، وتقدير قابليتها للنشر.

عزيزي القارئ :

تفتتح مجلة القضاء الجنائي عددها الأول بباقة متنوعة من الأبحاث والدراسات المتميزة، وعددها تسعة.

ونستهل باب دراسات وأبحاث ببحث قيم للأستاذ الدكتور خالد حساني من الجزائر في مجال القانون الجنائي الدولي حول ((التكامل بين اختصاص المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الوطني في محاربة الجرائم الدولية))، يليه بحث بعنوان ((بدائل إجراءات الدعوى الجزائية: دراسة مقارنة)) للأستاذ الدكتور د. علي عدنان الفيل، ثم بحث للأستاذ الدكتور علال فالي حول موضوع ((التعويض عن الاعتقال الاحتياطي غير المبرر  كآلية لتحقيق العدالة الاجتماعية)).

كما يضم العدد بين دفتيه بحثا للدكتور خالد عثماني حول موضوع ((ضمانات المحاكمة العادلة خلال مرحلة التحقيق الإعدادي))، تليه دراسة للأستاذ عادل الشاوي حول ((طبيعة الجريمة البيئية بين الصفة المادية والصفة الشكلية)).

ويتضمن العدد أيضا بحثا حول ((حدود استعمال حق الدفاع الشرعي: دراسة وفق أحكام القانون الجنائي المغربي)) زهيرة فونتير، تتبعها دراسة للدكتور عبد الصمد عبو حول ((جريمة ترك الأطفال وتعريضهم للخطر)).

ويختتم هذا الباب ببحث للدكتور محمد أطويف، يتناول فيه موضوع ((الحماية الجنائية للطفل المعاق في التشريع المغربي))، ودراسة باللغة الفرنسية استثناء للأستاذ محمد العزوزي حول ((السجن وحقوق الانسان)).

وفي باب أحكام وتعاليق، يضم العدد ما يربو عن 47 قرار تمثل أهم الاجتهادات القضائية الصادرة حديثا عن محكمة النقض في المادة الزجرية تتوزع بين أحكام في تطبيق قواعد المسطرة الجنائية وقواعد القانون الجنائي… تعالج إشكالات ذات أهمية على المستوى العملي.

كما نضع بين يدي قرائنا الأعزاء في باب نصوص ووثائق، عددا من المناشير الصادرة عن وزراة العدل والحريات من أجل معالجة بعض الإشكالات التي أفرزها التطبيق العملي للقوانين الموضوعية والإجرائية في المادة الجنائية.

وإذ يحتجب باب “أعمال جامعية” عن الصدور في هذا العدد، تختتم المجلة ترتيب موادها في العدد الماثل ب “كشاف القضاء الجنائي”، الذي يتضمن فهرسة لعدد من المقالات والأبحاث المنشورة بدوريات زميلة في النصف الأول من هذه السنة، وكذا الرسائل والأطروحات التي تمت مناقشتها خلال نفس الفترة في عدد من كليات الحقوق بالجامعات المغربية، وذلك بالاضافة إلى تتبع أحدث الإصدارات في الساحة القانونية، يليها عرض لمجموعة من القواعد المستخرجة من أهم القرارات غير المنشورة في مختلف المواد الزجرية الصادرة عن محكمة النقض.

وكلنا أمل أن ينال هذا العدد رضى قرائنا الكرام، وأن يجدوا فيه النفع الجليل والفائدة العميمة، والله ولي التوفيق.

 

زكرياء العماري

الرباط في 10 اكتوبر 2014