صناعة القرار السياسي: بحث في المؤسسة والمؤسساتية بالنظام السياسي بالمغرب- عبد الإله سطي

هذا الكتاب

تقوم نظرية صناعة القرار السياسي على أن تحديد جوهر الدولة يتجه رأسا؛ نحو صانعي قراراتها من الأشخاص الرسميين الذين تمثل قراراتهم الناجمة عن موقعهم في السلطة قرارات الدولة. وعليه يفترض تحديد طبيعة النظام المؤسساتي والسياسي للدولة في المغرب، أن يمر عبر البحث في صانعي القرار السياسي، الذي تحوز فيه المؤسسة الملكية الحيز الأكبر، عبر السلطات الحديثة التي يمنحها الدستور من جهة، وعبر الثقل التاريخي والديني الذي تصطبغ به من جهة ثانية. مما يجعل من عملية الاحتكام لمنطق التوازنات السياسية في رسم القرارات السياسية بالمغرب غير ذي فعالية، فالأمر محسوم سلفا لقوة ومكانة المؤسسة الملكية في قلب النظام السياسي المغربي التي تتحقق من خلالها؛ وحدة الدولة والجماعة الإسلامية، وذلك من خلال الإجماع الشعبي على الملك المتمثل في عقد البيعة الذي تربطه بشعبه على ممر التاريخ المغربي. بخلاف باقي التمثيليات الحزبية والمؤسساتية، التي لا ترقى لمستوى تحقيق الإجماع الوطني والشعبي.
لهذا فأي توجه لتحليل نسق صناعة القرار السياسي المغربي لا محيد له عن التوقف مليا عند محددات ومكانة المؤسسة الملكية داخل النسق السياسي، فهي “الحكم” ما بين مؤسسات الدولة. بالإضافة إلى أن الملك هو “أمير المؤمنين” وعليك تخيل منزلة هذا الحقل داخل النظام السياسي المغربي الذي تلغى بواسطته أي وساطة مؤسساتية ما بين الشعب والملك/إمام الأمة. كما لا يتاح الحديث في هذا المستوى عن أي مجال لفصل السلطات على مستوى صلاحيات الملك، وإن كان هناك فصل لهذه السلطات فهو يأتي على مستوى أدنى من سلطات الملك. والملك كذلك هو رئيسا للدولة، وما تتيح له هذه الصفة من صلاحيات واسعة تخول له ضبط المجال المؤسساتي والسياسي بالمغرب، والسهر على بلورة السياسة العامة للدولة. فهو بذلك رئيس المجلس الوزاري، ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ولا تفتتح الدورات البرلمانية إلا باسمه عبر خطاب موجه لممثلي الأمة. بالإضافة إلى سلطته العسكرية، التي تجعل من الملك رئيس القوات المسلحة الملكية…لهذا فأي حديث عن صناعة القرار السياسي بالمغرب لا يخرج عن دواليب العناصر الثلاثة السابقة التي تعتبر القواعد المركزية للنظام السياسي المغربي، فالسلطة بالمغرب توجد في حقل إمارة المؤمنين لما يتعلق الأمر بالشأن الديني، وتوجد في حقل التحكيم لما يتعلق الأمر بضبط المجال السياسي، وتوجد في حقل الملكية الدستورية لما يتعلق الأمر بتدبير الشأن العام.