العدد الأول من مجلة القضاء الإداري

افـتـتـاحـيـة

فتح التجاوب الذي لقيته – ولله الحمد- مجلة القضاء المدني والترحيب الحار والاستحسان الكبير من لدن مختلف المهتمين بحقول القانون المعرفية منذ صدور عددها الأول منذ ما يزيد عن سنتين ونيف، الأمل في المضي قدما في ترسيخ نهج التخصص الذي عاهدناك عليه قارئي الكريم ووضعنا ركائزه الأولى  مع مجلة القضاء المدني.

ووعيا منا بالدور الرئيس الذي ساهم به القضاء في وضع ركائز القانون الإداري بمقوماته ومبادئه الحديثة، حيث كان للقاضي الإداري جهوده البارزة في إنشاء قواعد القانون الإداري كقانون مستقل ومتميز عن قواعد القانون المدني، إلى درجة أصبح معها هذا القضاء يشكل مصدرا رسميا من مصادر القانون الإداري، ارتأينا أن نخصص مشروعنا الثاني في إطار المجموعة الإعلامية المتخصصة في الأبحاث والدراسات الفقهية والقانونية التي نتولى تنفيذها للقانون الإداري وعلم الإدارة، حيث استقر الاختيار على تسميتها ب “مجلة القضاء الإداري”.

وستعتمد المجلة في تبويبها على محاور ثابتة، تتميز بتنوعها وشمولها لكل ما يرتبط بالمواد الإدارية، من دراسات وأبحاث وأحكام وتعاليق ونصوص تشريعية وتنظيمية وفهرسة…، بحيث ستفتتح المجلة كل عدد منها بمحور مخصص للدراسات والأبحاث ستدرج فيه أحدث المساهمات العلمية المتعلقة بالاشكالات الراهنة التي يفرزها التطبيق العملي لمختلف النصوص القانونية المترتبطة بالمادة الإدارية، يليه محور أحكام وتعاليق سيخصص لنشر آخر الإجتهادات القضائية الصادرة عن محاكم المملكة بمختلف درجاتها، مع التركيز بالخصوص على اجتهادات محكمة النقض، ليس انتقاصا من قدر وكفاءة قضاتنا على مستوى محاكم الدرجة الأولى أو الثانية، ولكن لما ينطوي عليه الاجتهاد الصادر عن محكمة النقض من استقرار نسبي، ومن حجية أقوى تجعل محاكم الموضوع ملزمة أدبيا بالتقيد به مخافة تعرض أحكامها وقراراتها للنقض عند مخالفته. وتستمد هذه الحجية أساسها من الدور المنوط بمحكمة النقض – باعتبارها تتربع على هرم التنظيم القضائي بالمغرب- من أجل السهر على مراقبة حسن تطبيق وتأويل القاعدة القانونية، وصولا إلى توحيد الاجتهادات القضائية على مستوى المملكة.

وسيردف بمحور نصوص تشريعية وتنظيمية يتم تخصيصه لإستعراض مختلف النصوص القانونية المنشورة بالجريدة الرسمية والتي لها علاقة بالمادة الإدارية، سواء تعلق الأمر بقوانين أو مراسيم أو قرارات وزيرية، أو مناشير، مع الانفتاح على مشاريع ومقترحات القوانين، لوضعها رهن إشارة الباحثين من أجل خلق نقاش فكري حولها، وتناولها بالتقييم والنقد البناء لتوجيه المشرع إلى تجاوز ما تنطوي عليه من قصور قبل اعتمادها.

أما المحور الرابع والمعنون ب-  أعمال جامعية- فتنفتح فيها المجلة على النشاط الجامعي من أجل خلق صلة وصل بين الجامعة ومحيطها، يتم من خلالها التعريف بالرسائل والأطروحات المناقشة حديثا، مع تغطية ما يعقد بمدرجات الجامعة من ندوات وأيام دراسية لها ارتباط بمجالات اهتمام المجلة.

لتختتم المجلة محاورها بنافذة – كشاف القضاء الإداري-، وتهدف من خلالها المجلة إلى حصر وتكشيف المعلومات المتعلقة بالمساهمات والأبحاث والدراسات والاجتهادات القضائية المتعلقة بالمادة الإدارية، والتي تم نشرها بالدوريات المغربية عن طريق توفير البيانات الببليوغرافية الأساسية كعنوان العمل ومؤلفه، وبيانات النشر وما إلى ذلك من بيانات تهم الباحث بالنسبة للمساهمات، والقواعد بالنسبة للإجتهادات القضائية، وذلك بغية توفير دليل للباحثين والمهتمين يكون طريقهم إلى المعلومات التي تخص أحدث الأبحاث المنجزة والأحكام الصادرة بهذا الخصوص.

إلا أنه ومهما كانت عزيمتنا صادقة في الرقي بهذه الدورية والدفع بها إلى الأمام بغية إيجاد موطئ قدم لها في ساحة تعج بالاصدرات، فإن هذه الإرادة لن تبلغ مداها إلا بتظافر عاملين إثنين: أولهما أن تلقى هذه المبادرة تجاوبا وتفاعلا منك قارئي الكريم ومن كافة المنشغلين بمجالات اهتمام المجلة من باحثين وقضاة ومحامين…، وثانيهما أن تحافظ المجلة على طابع رصين لها، وهو ما لن يتأتى لها إلا بالحرص على جودة ما ينشر بها من مواد، مما يستدعي اعتماد المجلة لنظام التحكيم العلمي، وذلك بعرض المساهمات والأبحاث المرشحة للنشر على لجنة علمية تتولى تحديد مدى استيفائها للضوابط العلمية المتعارف عليها في هذا المجال، وتقدير قابليتها للنشر.

عزيزي القارئ :

تفتتح مجلة القضاء الإداري عددها الأول بباقة متنوعة من الأبحاث والدراسات المتميزة، وعددها ثمانية، بالإضافة إلى تعليق على قرار.

ونستهل باب دراسات وأبحاث ببحث قيم للأستاذ الدكتور سعد الشتيوي العنزي حول ((الرقابة القضائية على القرار الإداري السلبي))، ويتطرق فيه إلى أحد الظواهر التي أصبحت تواجه الأفراد في تعاملهم مع الإدارة، ويتعلق الأمر بالسلبية في اتخاذ القرارات الإدارية، هذا السلوك السلبي يكتسي خطورة أكبر إذا كان الامتناع في ظل السلطة المقيدة، وليست التقديرية. وقد عالجه في  فصلين اثنين، خصص الأول منهما لتحديد ماهية القرار الإداري السلبي، أما الفصل الثاني فتناول من خلاله الطعن في القرار الإداري السلبي، مع التركيز على مدى قابلية القرار الإداري السلبي لوقف التنفيذ، وكذاآثار إلغاء هذا النزع من القرارات.

ويحتوي العدد على بحث بعنوان ((الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكام القضاء الإداري)) للأستاذ محمد قصري، يبحث فيه دور الغرامة التهديدية في حمل الإدارة على تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها، أما الفراغ الذي يعتري التشريع المغربي بهذا الخصوص، وقد تناول فيه في فقرات متتالية مفهوم الغرامة التهديدية خصائصها، ومبررات تحديدها في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، وما إذا كان يجوز تحديدها لمنطوق الحكم أم بعد تسجيل امتناع الإدارة عن التنفيذ، ومبررات  تحديدها بين الإدارة والمسؤول عن التنفيذ، وبين أحكام الإلغاء وأحكام القضاء الشامل، مع بيان الجهة المختصة لتحديدها، والقواعد التي تحكم تصفيتها بين اعتبارها مستقلة ومنفصلة عن التعويض، وبين إخضاعها في التصفية لأهمية الضرر ونوعه ومداه.

كما يضم العدد بين دفتيه بحثا للأستاذ حلمي نفطاطة حول موضوع ((الطعن في قرارات المحافظ العقاري برفض تنفيذ حكم قضائي بين دعوى الإلغاء والدعوى الموازية))، يتناول فيه القرارات التي يرفض بموجبها المحافظ العقاري في إطار ممارسته لمهامه الإدارية تنفيذ أحكام قضائية نهائية صادرة في مادة التحفيظ العقاري، وما إذا كانت هذه القرارات قابلة للطعن بالإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة أمام المحاكم الإدارية؟ وهل توجد هناك دعوى موازية لتقديم هذا الطعن قد تسمح للمخاطب بالقرار من الحصول على نفس النتائج. تليه دراسة للأستاذ الدكتور أحمد أجعون حول ((المساطر الاستعجالية أمام المحاكم الإدارية))، يبحث فيها تطبيقين مختلفين من المساطر الاستعجالية التي تعرض على المحاكم الإدارية، ويتعلق الأمر بدعوى وقف تنفيذ القرار الإداري ودعوى الطعن بالإلغاء الاستعجالي في القرار المتعلق باقتياد الأجنبي إلى الحدود، مركزا في ذلك على أهم مميزاتهما، وكذا نقط التشابه والاختلاف بينها سواء فيما يتعلق بالقواعد المنظمة لها أو المساطر التي تخضع لها أو أخيرا فيما يتعلق بالضمانات التي توفرها وحدود سلطة القاضي في كل منها.

ويتضمن العدد بحثا حول ((إشكالية تحديد مفهوم الموظف العمومي بين الفقه والقضاء المغربي والمقارن)) للأستاذ الدكتور عبد الحق ذهبي، يبحث فيهالأسئلة المثارة بشأن تحديد أن تحديد مدلول الموظف العمومي، والذي يتنازعه مفهومان الأول جنائي والثاني إداري. يتبعه بحث للأستاذ بوعبيد الترابي بعنوان ((ظاهرة الاعتداء المادي وإشكالية نقل الملكية العقارية لفائدة الدولة))، تناول فيه الاشكالات المرتبطة بظاهرة بجنوح الإدارة العمومية في عديد من الحالات، إلى الاستيلاء على عقارات مملوكة للغير دون سلوك مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، ولا سيما الاشكال المتعلق بنقل الملكية وبالتعويض عن الاعتداء المادي. ويشارك في هذا العدد الأستاذ نجيب جيري بدراسة حول ((القاضي الإداري وضوابط ممارسة حق الإضراب في المرافق العامة))، يتناول فيه موضوع الإضراب في المرافق العامة، وما يثيره من نقاش واسع، لعدم إصدار الجهات المختصة للنص التنظيمي المتعلق به، ولحرص العاملين بالمرافق العامة على ممارسة هذا الحق في عدة مناسبات، سعيا وراء تحقيق مطالبها.

ويختتم هذاالباب ببحث للأستاذ الدكتور محمد محبوبي، يتناول فيه ((استقلال القضاء في ضوء الدستور الجديد))، يستعرض فيه المستجدات التي حملها الدستور الجديد لسنة 2011 بخصوص القضاء، سواء على مستوى التكريس الدستوري للقضاء كسلطة، أو على مستوى تفصيل الضمانات المرتبطة بمبدأ استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وفي باب أحكام وتعاليق، يضم العدد تعليقا لنا على القرار الصادر عن المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا) تحت عدد تحت عدد 4402 بتاريخ 24 دجنبر 2008، بحثنا فيه حدود اختصاص المجلس الأعلى للنظر كجهة استئنافية في الأحكام الصادرة بشأن الاختصاص النوعي عن مختلف محاكم المملكة، استنادا إلى مقتضيات المادة 13 من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية، وما إذا كان هذا الاختصاص يشمل جميع الأحكام الصادرة عن مختلف المحاكم المندرجة في التنظيم القضائي المغربي، سواء كانت محاكم عادية، أو تجارية أو إدارية. وكذا، بطبيعة هذه الأحكام التي تستأنف أمامه، هل تنحصر في الحكم بمعناه الضيق، والصادر عن محاكم الموضوع، أم يشمل أيضا، الأوامر الصادرة عن رؤساء مختلف هذه المحاكم في إطار الاختصاصات المسندة إليهم بنص القانون بصفتهم قضاة الاستعجال،. وقد ذيل هذا الباب بما يربو عن 50 قرار تمثل أهم الاجتهادات القضائية الصادرة حديثا عن القضاء المغربي بمختلف درجاته في المادة الإدارية تتوزع ما بين قضاء الإلغاء والقضاء الشامل والقضاء الاستعجالي تعالج إشكالات ذات أهمية على المستوى العملي.

كما نضع بين يدي قرائنا الأعزاء في باب نصوص ووثائق، نص قرار وزير الداخلية عدد رقم 03 بتاريخ 13 مارس 2009 المتعلق بالمساعد القضائي للجماعات المحلية، علاوة على عدد من المناشير الوزارية المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية ضد الإدارة العمومية، ومقاضاة الوزارات والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية فيما بينها أمام المحاكم. وكذا ضبط المنازعات القضائية للجماعات المحلية وهيئاتها. بينما تحتجب نافذة ” أعمال جامعية” عن الصدور في هذا العدد.

وتختتم المجلة ترتيب موادها في العدد الماثل ب” كشاف القضاء الإداري”، الذي يتضمن فهرسة لعدد من المقالات والأبحاث المنشورة بدوريات زميلة في النصف الأول من هذه السنة، وكذا الرسائل والأطروحات التي تمت مناقشتها خلال نفس الفترة في عدد من كليات الحقوق بالجامعات المغربية، وذلك بالاضافة إلى تتبع أحدث الإصدارات في الساحة القانونية، يليها عرض لمجموعة من القواعد المستخرجة من أهم القرارات غير المنشورة في المادة الإدارية الصادرة عن محكمة النقض ومحاكم الاستئناف الإدارية والمحاكم الإدارية في الأونة الأخيرة.

وكلنا أمل أن يحظى هذا العدد برضاك قارئي الكريم، وأن تجد فيه ما يشفي غليلك العلمي، والله ولي التوفيق.

زكرياء العماري

الرباط في 20 أبريل 2012