حلقة نقاشية: رهن الحساب البنكي كوسيلة لتمويل المقاولة

نظمت وحدة قانون الأعمال والمقاولات بالمركز الوطني يوم السبت 10 أكتوبر 2020 حلقة نقاشية عن بعد أطرها الدكتور يسين امساعف، الأستاذ الباحث بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، في موضوع: “رهن الحساب البنكي كوسيلة لتمويل المقاولة”.

وقد استهل الدكتور امساعف عرضه بالتأطير القانوني للموضوع، باعتباره مستجدا تشريعيا واردا بالقانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة، والذي من ضمن مقتضياته تتميم الباب الثاني المتعلق بالرهن دون التخلي عن الحيازة، من القسم الأول، من الكتاب الرابع، من مدونة التجارة، والذي يضم المواد من 7-392 إلى 11-392 المكونة للفصل الرابع المتعلق برهن الحسابات البنكية.

وحيث إن الهدف الأساسي المعلن عنه في المادة الأولى من قانون الضمانات المنقولة يتمثل في تسهيل ولوج المقاولات لمصادر التمويل، فإن الإشكال الأساسي للدراسة هو: هل استطاع المشرع المغربي توفير تنظيم قانوني ملائم قادر على تحقيق هاته الغاية ؟

وفي ضوء ذلك، أُعلن عن تقسيم الحديث إلى محل عقد الرهن، ثم الآثار المترتبة عنه.

المحور الأول: محل عقد رهن الحساب البنكي

حددت المادة 7-392 الحساب البنكي كمحل عام لعقد الرهن، ثم أكدت على الرصيد الدائن كمحل خاص له.

أولا: الحساب البنكي كمحل عام لعقد الرهن

اعتبر المشرع المغربي رهن الحساب البنكي رهنا للدين دون التخلي عن الحيازة، وقد تناول الأستاذ بالتوضيح مفهوم الحساب البنكي القابل للرهن، مع مناقشة بعض الإشكالات المتعلقة بتمويل المقاولة في علاقتها ببعض الأصناف الخاصة من الحسابات البنكية، كالحساب البنكي الجماعي بالتضامن، والحساب البنكي الجماعي دون تضامن؛ كما ناقش مدى إمكانية رهن عدة حسابات لضمان نفس الدين.

ثانيا: الرصيد الدائن للحساب كمحل خاص للرهن:

  • يُقصد بالرصيد الدائن: إما الرصيد الدائن المؤقت خلال تشغيل الحساب، أو الرصيد الدائن النهائي عند وضح حد للحساب البنكي، مع بيان كيفية استخراج الرصيد الدائن في الحالتين.
  • يتحدد الرصيد الدائن للحساب البنكي من خلال قواعد تشغيل الحساب، ونذكر أهمها فيما يلي:

قاعدة تبادل المدفوعات: شرح القاعدة مع بيان كيفية تأثيرها في تحديد الرصيد الدائن، مع توضيح موقف المشرع المغربي من طبيعة المدفوعات المساهمة في الرصيد والمكونة بالنتيجة لوعاء الرهن.

قاعدة التجديد: شرح القاعدة مع بيان تأثيرها في حصر الرصيد الدائن المكون لوعاء الرهن.

قاعدة عدم تجزئة المدفوعات: البرهنة على أنه لا يمكن تخصيص مدفوع بعينه كوعاء للرهن.

  • متى يتحدد الرصيد الدائن: جاء في المادة 7-392 أن الرصيد الدائن يتحدد بتاريخ تحقيق الرهن.

وهو الأمر الذي يدفع لمناقشة الضمان القانوني للدائن المرتهن في حال تصرف المدين الراهن في مبلغ الرصيد بشكل يُضر بالراهن قبل تحقيق الرهن؟

قدم الأستاذ مجموعة من الحلول القانونية كطلب تجميد مبلغ الرهن، والحجز التحفظي، والحجز لدى الغير الحائز، وبرهن على أنها جميعها غير ذات فعالية؛و لذلك اقترح تعديل نص المادة 7-392 من م.ت بإقرار الضمان القانوني بأداء الدين في ذمة المدين الراهن.

كما ناقش مصير العمليات الجارية التنفيذ على رصيد الحساب وقت تحقيق الرهن، وحالة فتح إحدى المساطر الجماعية في مواجهة المدين الراهن، في علاقتهما بتاريخ تحديد الرصيد الدائن. واقترح ضرورة تعديل نص نفس المادة من خلال توضيح المسألتين.

المحور الثاني الآثار المترتبة عن عقد رهن الحساب البنكي

وضع القانون رقم 22.18 شرطين لنفاذ الرهن (أولا) كما بين أهم قواعد تشغيل الحساب المرهون (ثانيا).

أولا: شرطي نفاذ عقد الرهن

قبل مناقشة الشرطين اقترح الأستاذ تدارك خطأ مؤثر في الترجمة، طال المادة 7-392، حيث يجب تعويض عبارة “مبلغ الدين المرهون” بعبارة “مبلغ الدين المضمون”.

الشرط الأول: تقييد عقد الرهن بالسجل الوطني للضمانات المنقولة

جميع التصرفات المتعلقة بعقد الرهن ليس لها أي أثر ولا يواجه بها الغير، إلا ابتداء من تاريخ وساعة تقييدها في السجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة؛ الذي عُهد بتدبيره إلى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، من خلال المنصة الإلكترونية المخصصة لذلك، والتي سيُشرع في العمل بها ابتداء من الثاني من مارس 2021 بمشيئة الله تعالى.

لكن الأستاذ سجل تحفظا شديدا، بشأن حجية إجراءات التقييد بهذا السجل، التي تَعْرِف خللا قد يَحُد من جدواها ومصداقيتها، حيث إنه لا يُتطلب لإجراء تقييد الضمانة الإدلاء بأية وثيقة[1]، كما لا يتم التحقق من صحة المعلومات المصرح بها لديه. وإنما اكتفى باعتبار الشخص الذي قام بتقييد الضمانة مسؤولا عن صحة البيانات التي أدلى بها[2]. مُقترحا ضرورة إعادة النظر في هذه المقتضيات.

الشرط الثاني: إشعار المؤسسة البنكية بالرهن

قررت المادة 8-392 من م.ت أن عقد الرهن حتى وإن قُيِّد بالسجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة، فإنه لا يرتب آثاره في مواجهة المؤسسة البنكية ماسكة حساب الراهن، ولا يمكن الاحتجاج به في مواجهتها، إلا إذا تم إشعارها به من قبل المرتهن؛ وذلك ما عدا إذا كانت طرفا أصليا منشئا لعقد الرهن.

ثانيا: أهم  قواعد تشغيل الحساب المرهون

  • تجميد مبلغ الرهن بالحساب البنكي

وضعت المادة 10-392 قاعدة تسمح للمدين الراهن باستخدام الحساب المرهون بحرية؛ إلا أن تصرفه في مبلغ الرصيد الدائن لا يترتب عنه انقضاء الرهن، حتى وإن صار الرصيد مدينا. وفي المقابل، يجوز للدائن المرتهن أن يطلب من المؤسسة البنكية تجميد مبلغ الرهن، وذلك بشرطين:

  • أن ينص عقد رهن الحساب البنكي على تخويل الدائن صلاحية تقديم طلب تجميد مبلغ الرهن؛
  • إشعار المدين الراهن بطلب تجميد مبلغ الرهن.

و جميع العمليات الجارية على رصيد الحساب بالتاريخ المذكور يتم تسويتها، ولا يشملها التجميد.

وجدير بالتوضيح أن موضوع التجميد هو مبلغ الرهن، وليس مبلغ الرصيد الدائن؛ ذلك أن هذا الأخير إذا كان يتجاوز الأول، فإنه لا يتم تجميد إلا جزء منه مُساوٍ لمبلغ الرهن. وأما إن كان الرصيد الدائن يَقِلّ عنه، فإنه يعتقد بإمكانية تجميد المبلغ المتوفر، مع التزام البنك باستكمال المبلغ عندما تتوفر المؤونة لاحقا.

  • تصرف المرتهن في مبلغ الرهن موقوف على تحقيقه

جعلت المادة 11-392 من م.ت تصرف الدائن المرتهن في مبلغ الرهن الثابت في الحساب البنكي المرهون موقوفا على شرط سلوك إجراءات تحقيق الرهن.

والمثير للانتباه في مقتضيات المادة 11-392 من م.ت أنها لم تُكلف الدائن المرتهن بسلوك جميع إجراءات تحقيق الرهن، وذلك من خلال إحالتها فقط على الفصل 1219 من ق.ل.ع، والذي ينظم الإنذار فقط.

ولذلك، فإن المرتهن يوجه إنذار بالأداء للراهن ويمنحه أجل 15 يوما من تاريخ التوصل؛ حيث إذا بقي دون جدوى، يُقيده في السجل الوطني للضمانات المنقولة، فيحق له بعده التنفيذ على مبلغ الرهن بالحساب.

  • تقادم رهن الحساب البنكي مبني على قرينة الوفاء

جاء بالفقرة الأخيرة من المادة 11-392 من م.ت:(يظل رهن الحساب البنكي قائما ما لم يُؤد الدين المرهون كاملا). لأجله يرى الأستاذ بأن المدين الراهن وكل ذي مصلحة، لا يمكنه الدفع بتقادم الدين المرهون، ولا بانقضائه تبعا لتقادم الدين المضمون، إلا إذا أثبت الوفاء الكلي للدين المرهون.

وهذا لا يعني مطلقا أن لفظ “يظل” التي استخدمها المشرع في هذا النص القانوني، تعني بأن رهن الحساب البنكي لا يخضع للتقادم، ويبقى إلى الأبد؛ ذلك أن جميع الالتزامات الناشئة بمناسبة عمل تجاري، تتقادم بمضي خمس سنوات، ما لم توجد مقتضيات خاصة مخالفة.

وإنما استخدام لفظ “يظل قائما”، وربط مُخالفة هذا الحكم فقط “بأداء الدين المرهون”، تعني في تقديره أن إرادة المشرع اتجهت إلى جعل تقادم الدين المرهون في حال رهن الحساب البنكي مبني على قرينة الوفاء.

[1] الفقرة الرابعة من المادة 16 من القانون رقم 21.18.

[2] الفقرة الخامسة من المادة 16 من القانون رقم 21.18.