حلقة نقاشية: الشراكة في قطاع الأوقاف

إعداد: هاجر منيوي*

في إطار الحرص على استمرارية نشاطه الثقافي والمعرفي خاصة وفي ظل تداعيات انتشار فيروس كورونا، نظم المركز الوطني للدراسات القانونية، وحدة القانون العقاري حلقة نقاشية عن بعد حول موضوع “الشراكة في قطاع الأوقاف”، وذلك يوم الجمعة 6 نونبر 2020. وقد أطر هذه الحلقة الدكتور ياسين امساعف: باحث رئيسي وأستاذ باحث بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة وناظر سابق بالأوقاف بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وقد خصص فيها الدكتور بالدراسة والتحليل لمقتضيات المادة 62 مكرر التي تنظم عقود الشراكة الوقفية، من مدونة الأوقاف المضافة الصادرة في فاتح مارس 2013 بمقتضى ظهير شريف مغير ومتمم لمقتضيات مدونة الأوقاف والتي افرد لها  إشكال مركزي حول جدوى إصدار الأوقاف لهذا النص القانوني وهل يمكن اعتباره قانون إطار، قادر على توفير مقتضيات قانونية تنظم الشراكة الوقفية من جميع الجوانب وتعتبر أسلوب استثماري للأصل الوقفي؟

هذا الإشكال يهدف إلى المحافظة على الأصل الوقفي وتوفير أساليب استثمارية ملائمة لقطاع الأوقاف من جهة ثانية.

ولمناقشة هذا الإشكال قسم الدكتور امساعف،مداخلته لمحورين تطرق في المحور الأول “لمفهوم الشراكة في قطاع الأوقاف ومدى خضوعها لمسطرة التقييم القبلي”، في حين تناول في المحور الثاني “طرق إبرام الشراكة الوقفية ومراقبة تنفيذها”.

بالنسبة للمحور الأول ناقشه الأستاذ من خلال نقطتين أساسيتين وهما:

1– مفهوم عقود الشراكة في قطاع الأوقاف:

والتي حاول من خلالها إبراز مفهوم عقود الشراكة الوقفية في إطار كل من المادة 62 مكرر من مدونة الأوقاف وكذا القانون 86.12 المنظم للشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ومن خلال هذه المقارنة خلص إلى مجموعة من الاختلافات بين مفهوم عقد الشراكة في الإطار الوقفي عنه في القانون الإطار رقم 86.12، وتتمثل هذه الاختلافات:

– في موضوع الشراكة.

– من حيث المدة ذلك أن المدة في إطار الأوقاف ليست ذات اعتبار مطلقا بخلاف القانون 86.12.

– من حيث طبيعة الشريك،فإذا كان قانون 86.12 يتحدث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص فإن الفقرة الأولى من المادة 62 مكرر من مدونة الأوقاف تتحدث عن الشراكة بين قطاع الأوقاف والقطاع العام أو الخاص.

– من حيث مضمون العقد، ذلك أن عقد الشراكة بين القطاع العام والخاص من خلال قانون 86.12 يعهد للشريك الخاص بمهمة شاملة تتعلق بالتصميم والتمويل والبناء والاستغلال، في حين الشراكة الوقفية يعهد فيها للشريك الخاص بالتصميم والبناء أو الصيانة لكن لا يعهد له أبدا بالاستغلال.

– من حيث تقاسم المخاطر، إدارة الأوقاف لا تتحمل أية مخاطر بخلاف القانون 86.12.

– طبيعة المال موضوع الشراكة، والتي أكد الأستاذ من خلاله أن طبيعة المال الوقفي موضوع الشراكة لا يمكن أن يخرج عن مجال العقار وهذا بخلاف المادة 1 من القانون 86.12.

وفي ختام هذه النقطة شدد الدكتور على أن السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف ،مدعوة لتحديد مفهوم الشراكة في هذا القطاع العام والاستثنائي بشكل واضح ودقيق يراعي خصوصيتها المؤسسة على طبيعة المال الوقفي وما يمثله من خصوصية دينية ورمزية في شعور المسلمين.

كما أنه بالنسبة لأشخاص القطاع العام أو الخاص المعنيين بالشراكة في القطاع الوقفي يجب أن يكونوا على بينة من طبيعة هذا الصنف من هذه العقود الذي يختلف عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص حيث لا يعتبر العقار الوقفي مجرد وعاء لإنجاز مرفق عمومي وإنما هو رأس مال إدارة الأوقاف.

2– لزوم خضوع مشاريع الشراكة الوقفية لمسطرة التقييم القبلي:

وفي إطار هذه النقطة أكد الأستاذ أن المقتضيات المنصوص عليها في إطار الفقرة الثانية من المادة 62 مكرر عديمة الجدوى ليس لعدم دقتها ووضوحها وإنما تطبيقا للمادة 3-28 من القانون 86.12 المعدل والمتمم لقانون الشراكة،ألزمت الإدارات العمومية الخاضعة لنصوص خاصة منظمة للشراكة كما هو الشأن بالنسبة لإدارة الأوقاف بضرورة الانضباط بدورها لمجموعة من المقتضيات من بينها المادة 20 من القانون 86.12 المنظمة للتقييم القبلي تحديدا.

وبعدها تساءل الأستاذ عن أهمية هذه المسطرة والتي تكمن في كشف النقاب عن الطبيعة الخاصة لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وفي الأخير أكد على عيب صياغة المادة 3-28 من القانون 86.12 والتي ألزمت جميع الإدارات من التقييم القبلي وذلك من خلال منح ترخيص استثنائي للإدارات المتوفرة على نصوص قانونية خاصة كما هو الشأن لإدارة الأوقاف لأجل إبرام عقود شراكة وبالتالي فإنه يتعين حذف إمكانية منح الترخيص الإستثنائي وبالتالي الرجوع للصيغة الأصلية التي تلزم جميع الإدارات بالخضوع لمسطرة التقييم القبلي.

بالنسبة للمحور الثاني فقد ناقشه من خلال التطرق إلى بندين أساسين وهما:

1– طرق إبرام عقود الشراكة الوقفية:

في هذه النقطة أكد الأستاذ أن الإشكال المطروح في هذا الصدد وهو أن القانون الإطار لا يتحدث عن طرق إبرام عقود الشراكة ولا يتحدث عن مبدأ الدعوة إلى المنافسة وفي هذا الصدد يرى أن إدارة الأوقاف ، ملزمة بالخضوع لمبدأ الدعوة إلى المنافسة المنصوص عليه في القانون 86.12 باعتباره نص عام لعدم وجود نص خاص ينظم هذا الشأن في إطار مدونة الأوقاف وما يعزز ذلك:

– تحقيق مصلحة الوقف رهين بفتح باب المنافسة بين المترشحين للتعاقد.

– من خلال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون 86.12 أكدت على مبدأ الدعوة إلى المنافسة وبالتالي فهو ملزم بقوة القانون لجميع الإدارات العمومية وكذلك تلك الخاضعة لنصوص خاصة كما هو الشأن لإدارة الأوقاف.

– نص المادة 8 من قرار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم 13-258 الصادر في 13 سبتمبر 2013 المتعلق بتحديد نظام أشغال صفقات الأشغال وتحديد التوريدات التي تبرمها وزارة الأوقاف لفائدة العامة، هذا النص هو المنظم لقانون الصفقات الوقفية والذي يلزم بضرورة اللجوء للمنافسة.

بعد ذلك طرح الأستاذ إشكال حول إمكانية إبرام إدارة الأوقاف لعقود الشراكة الوقفية من خلال المسطرة التفاوضية؟

في هذا الإطار أوضح أن اللجوء إلى المسطرة التفاوضية لإبرام عقود الشراكة يكون في ثلاث حالات استثنائية وهي: عدم إمكانية إنجاز الخدمة أو استغلالها لاعتبارات تقنية أو قانونية إلا من قبل فاعل وحيد بالقطاع، حالة الاستعجال المتوقعة بالنسبة للشخص العام، دواعي تتعلق بالدفاع الوطني أو الأمن العام.

باستقراء هذه الحالات يتبين أنها لا تنطبق على عقود الشراكة الوقفية وفي هذا الصدد يسجل الأستاذ تحفظه الشديد على مقتضيات المادة 1-28 من القانون رقم 46.18

ولأجله يرى أنه يتعين حذف هذا المقتضى والحفاظ على الطابع الاستثنائي للمسطرة التفاوضية التي لا تقبل التوسع وإضافة حالات أخرى بترخيص استثنائي.

أما فيما يخص مسطرة المصادقة على عقود الشراكة الوقفية أوضح بأن إدارة الأوقاف ملزمة عند إبرام عقد شراكة وقفية بسلوك مسطرة المصادقة على هذا العقد بمرسوم.

2– مراقبة تنفيذ عقود الشراكة الوقفية:

حاول من خلالها الأستاذ التطرق إلى كل من مراقبة الإنجاز وقواعد الإستلام.

ففي إطار مراقبة الإنجاز بين أن المادة 62 مكرر لم تكن واضحة في هذا الشأن كذلك واكتفت بصيغة عامة دون أن تحيل عن نص تنظيمي ودون أن يأتي على لسان وزير الأوقاف صدور نص تنظيمي ينظم مراقبة الإنجاز.

ولهذا يتعين تخصيص نص تنظيمي مستقل ينظم بدقة جميع جوانب مراقبة إنجاز جميع أشغال الشراكة الوقفية التي تتم في إطار عقود شراكة.

فيما يخص ضمانات أو قواعد الإستلام، فإن المادة 62 مكرر لم تأتي على ذكر ضمانات التنفيذ ولا قواعد استلام مشاريع عقود الشراكة الوقفية، وبالمقابل فإن المادة 24 من القانون 86.12 لم تتحدث عن هذا الأمر.

وبعد ذلك أكد الدكتور امساعف أن عقود الشراكة بين الأوقاف العامة وشريك خاص أو عام تخضع لتدقيق المجلس الأعلى لأجل مراقبة مالية الأوقاف العامة ولا تخضع لرقابة المجلس الأعلى للحسابات وذلك طبقا لمقتضيات المادة 3-28 من قانون 46.18 المغير والمتمم للقانون 86.12 والذي يحيل على المادة 28 منه.

وفي ختام مداخلته، أوضح أن المادة 62 مكرر الوحيدة المضافة حديثا غير واضحة وغير دقيقة وغير شاملة وغير كافية في تنظيم الشراكة الوقفية، إضافة إلى أن النص التنظيمي الوحيد المنتظر يتعلق فقط بإبرام عقود الشراكة الوقفية ولأجله دعا السلطة الحكومية بالأوقاف إلى إعادة تنظيم عقود الشراكة الوقفية وذلك بتخصيص نصوص قانونية واضحة وكافية وشاملة تنظم جميع جوانب الموضوع ولا سيما من خلال التركيز على:

– وضع تحديد دقيق واضح لمفهوم الشراكة في قطاع الأوقاف العامة في كل مراحل الشراكة.

– وضع قواعد قانونية لإعداد المشروع والتقييم القبلي.

– تحديد طرق إسناد عقود الشراكة الوقفية تأسيسا على مبدأ الدعوة إلى المنافسة في القانون الإطار مع التعجيل بإصدار نص تنظيمي.

– وضع إجراءات المصادقة على عقود الشراكة.

– وضع آليات تحقق الفعالية في تتبع الإنجاز وضمانات قوية تؤمن التنفيذ.

*باحثة مساعدة بالمركز الوطني للدراسات القانونية.