الوضعية القانونية لشركات البورصة

تقرير حول أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق من كلية الحقوق أكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط حول موضوع:

” الوضعية القانونية لشركات البورصة”

تقدم بها: زكرياء العماري

 لا يخفى اليوم الدور الذي أصبحت تؤديه البورصة كسوق منظمة يرد التعامل فيها على نوع خاص من البضائع، في تلبية احتياجات الفاعلين الاقتصاديين بما تتييحه للمستثمرين من إمكانية الحصول على تمويل مناسب لمشاريعهم الاستثمارية بشروط تفضيلية دون المرور عبر المؤسسات البنكية، وبما تمنحه للمدخرين من طرق أمثل لتوظيف لمدخراتهم في استثمارات ذات عائد مادي مضمون مع سهولة استرداد أموالهم عند الحاجة دون التقيد في ذلك بآجال معينة.

وإذا كان الولوج إلى أسواق البورصة عند ظهورها متاحا لجميع الأفراد الذين يرغبون في إنجاز عمليات بها دون قيد أو شرط حيث كان التعامل يتم مباشرة بين أفراد يعرفون بعضهم البعض، فإن تطور عمليات البورصة وتزايد الإقبال عليها وما يقتضيه من تأمين شفافية التعامل وسلامة السوق قد فرض على جل التشريعات هجر نظام السوق المفتوحة وحصر الولوج إلى البورصة على طائفة من الأشخاص المؤهلين (أفراد أو مؤسسات)، تتوافر لديهم الملاءة والخبرة والتخصص والدراية الكافية بتقنيات التعامل في البورصة، ويخضعون لالتزامات وعادات وأعراف وأخلاقيات وقواعد سلوك مهني تحكم عملهم، يطلق عليهم وسطاء البورصة أو سماسرة البورصة أو شركات البورصة، وذلك بحسب التسمية المتبعة باختلاف التشريعات المالية لكل بلد.

ويكمن الهدف من وراء تقرير استئثار وسطاء البورصة لوحدهم بإبرام المعاملات البورصوية، إلى الرغبة من جهة في حماية جمهور المستثمرين والحيلولة دون استغلالهم من طرف المضاربين المحترفين، بسبب افتقادهم إلى الخبرة والدراية الكافية بأساليب وتقنيات التعامل داخل البورصة، ومن جهة أخرى إلى حصر التعامل في القيم المنقولة والقيام بأعمال الوساطة البورصوية على أشخاص مهنيين، تحقيقا للسلامة والشفافية في سير السوق، وتوحيدا للقواعد المتعلقة بالمراقبة.

وفي هذا السياق، عمل المشرع المغربي على غرار جل تشريعات السوق المالية المقارنة على تقرير احتكار وسطاء مؤهلون للتعامل بالبيع والشراء على القيم المنقولة المسعرة بالبورصة، وذلك بموجب الفقرة الأولى من المادة 18 من قانون البورصة المغربي لسنة 1993 التي تقضي بأنه: “لا يمكن إبرام المعاملات المتعلقة بالقيم المنقولة المقيدة في جدول أسعار بورصة القيم وتسعيرها إلا في بورصة القيم وبواسطة شركات البورصة المعتمدة وفقا لأحكام هذا القانون”. وهي القاعدة التي تم تأكيدها في الـمادة 35 من نفس القانون.

وقد حظيت مهنة الوساطة في البورصة باهتمام خاص من لدن مختلف التشريعات المتعلقة بالسوق المالية، إذ عملت على تنظيمها بشكل يضمن شفافية التعاملات والحفاظ على حسن سير السوق، وذلك اعتبارا لأهمية الدور الذي يقوم به هؤلاء الوسطاء في تنشيط البورصة وإنعاش حركة التداول بها، والوظائف المتعددة التي يؤدونها، إذ بالإضافة إلى انتصابهم كوسيط إلزامي للتعامل ولا يمكن إجراء أي معاملة من عمليات البورصة دون المرور بهم، فإنهم يقدمون العديد من الخدمات المرتبطة بالاستثمار في القيم المنقولة مثل إدارة محافظ القيم المنقولة لحساب الغير ومسك حسابات السندات والإرشاد والسعي المالي والتعامل للحساب الخاص.

وقد جسد المشرع المغربي هذه الأهمية منذ صدور قرار مدير المالية المؤرخ في 19 مارس 1953 والذي يعتبر أول إطار قانوني منظم لمهنة الوساطة في البورصة بالمغرب مرورا بالمرسوم الملكي المتعلق ببورصة القيم ل 14 نوفمبر 1967، وانتهاء بالظهير الشريف رقم 1.93.211 المتعلق بالبورصة الصادر سنة 1993 الذي نظم مهنة الوساطة في البورصة بكيفية شاملة، وأضفى على المزاولين لها تسمية “شركات البورصة”، وهذا القانون هو الذي شكل منطلقا لهذه الدراسة.

وكما هو معلوم، فإن الأهمية التي تحتلها شركات البورصة في الوقت الحاضر، وما تنطوي عليه عمليات البورصة من صبغة تقنية، هو ما فرض على المشرع المغربي الخروج في مزاولة مهنة الوساطة البورصوية عن القواعد العامة المتعلقة بمزاولة الأنشطة الاقتصادية، ووضع ضوابط خاصة تتمثل في استلزام عدة شروط في المؤسسة التي ترغب في اتخاذ أعمال البورصة غرضا لها، وفي فرض مراقبة دقيقة على شركات البورصة من قبل السلطة الحكومة المكلفة بالمالية، ومن قبل هيئات أخرى تم إحداثها بهذا الخصوص.

وبالرغم من أن قانون البورصة لسنة 1993 قد وضع في ظل ظروف اقتصادية تهيمن عليها روح الليبرالية والمنافسة الحرة، فإن ذلك لم يمنع المشرع المغربي من تضمينه العديد من القواعد التي يأمل منها إحاطة مزاولة مهنة الوساطة بالضمانات الكافية لحماية مختلف المصالح المرتبطة بهذا النشاط، الأمر الذي اقتضى البحث في مدى فعالية هذه الضوابط في تأطير نشاط شركات البورصة بكيفية تحقق مصالح هذه الأخيرة وتحمي في ذات الوقت حقوق عملائها ومختلف المتدخلين في السوق المالية.

من هنا إذن يستمد هذا الموضوع أهميته، إذ يكمن الهدف منه في تحديد المركز القانوني لشركات البورصة التي أصبحت- منذ بدء العمل بقانون 1993، وإنهاء تدخل الأفراد والمؤسسات البنكية في قطاع الوساطة البورصوية، هي المؤهلة لوحدها لإبرام المعاملات المتعلقة بالقيم المنقولة المسعرة.

فإلى أي حد نجح المشرع المغربي من خلال قانون البورصة لسنة 1993 في تأطير مهنة الوساطة المالية في بورصة القيم، بكيفية تجعل شركات البورصة تمارس نشاطها وفق شروط وظروف تضمن تحقيق التوزان بين حماية المصلحة الاقتصادية العامة ممثلة في حماية الادخار الموظف ببورصة القيم المنقولة، وبين مصلحة شركات الوساطة بالبورصة ذاتها، كمؤسسة تزاول نشاطا يهدف إلى تحقيق الربح، ومصلحة عملائها باعتبارهم مدخرين يبحثون عن طرق ناجعة لتوظيف مدخراتهم؟؟

هذا ما حاولنا الإجابة عليه عبر محورين اثنين؛ خصص الأول منهما لاستعراض وتحليل الضوابط الخاصة بممارسة مهنة الوساطة البورصوية في الأحوال العادية سواء تلك المتعلقة بالتأسيس أو بالمراقبة، والثاني لبيان مختلف الوسائل التدخلية التي يقررها المشرع لمواجهة الصعوبات التي تواجهها هذه الشركات إما معالجة أو تصفية:

الباب الأول: الوضعية القانونية لشركات البورصة في الأحوال العادية

الفصل الأول: وضع ضوابط الخاصة لتأسيس شركات البورصة.

الفصل الثاني: خضوع شركات البورصة لمراقبة السلطات العمومية.

الباب الثاني: الوضعية القانونية لشركات البورصة في الأحوال غير العادية.

الفصل الأول: إقرار وسائل تدخلية خاصة لمعالجة صعوبات شركات البورصة.

الفصل الثاني: إشراف السلطات العمومية على تصفية شركات البورصة.

الخلاصات والاستنتاجات والاقتراحات

إن تقديرنا الخاص للتأطير القانوني لوضعية شركات البورصة في القانون المغربي، إنما سيرتكز هاهنا على إبداء بعض الملاحظات (I) والاستنتاجات (II) والاقتراحات (III) الوثيقة الصلة بالوضع القانوني لشركات البورصة سواء تعلق الأمر بالأحوال العادية  أو بالأحوال غير العادية، والمستخلصة أساسا مما أفصحت عنه الدراسة المقارنة مع بعض القوانين الأجنبية العربية (المصري والتونسي) واللاتينية (الفرنسي)، وببعض القوانين المؤطرة للأنشطة الاقتصادية التي يخضع الشروع في مزاولتها بالمغرب للإذن الحكومي المسبق، من حلول تستدعيها ضرورة تأهيل مهنة الوساطة في البورصة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي باتت تفرض نفسها على بلادنا، بحكم الدور الهام الذي يؤديه الوسطاء الماليون في تنشيط سوق البورصة المأمول منها أداء دور طلائعي في تنمية الاقتصاديات الناشئة.

أولا: الخلاصات.

كانت محصلة ما انتهت إليه دراستنا في بابها الأول، أن المشرع المغربي يخضع – على غرار جل التشريعات المقارنة- ممارسة مهنة الوساطة في البورصة لضوابط معينة، تتحدد بالأساس في جعل مزاولتها حكرا على الأشخاص المعنوية المؤسسة في شكل شركات مساهمة ذات رأس مال أدنى خاص، وينحصر غرضها الأساسي في تقديم عمليات البورصة، وفي استلزام توفر مسيريها ومؤسسيها على النزاهة وحسن السلوك والاستقلالية والحياد، وذلك بعد الحصول بطبيعة الحال على رخصة اعتماد تمنح لهذا الغرض من قبل السلطات العمومية التي تتحقق من توفرها على الشروط المالية والتقنية والبشرية اللازمة لممارسة المهنة.

كما عمل على فرض رقابة غير مباشرة على نشاط وسطاء البورصة من خلال وضع قواعد حيطة تلزم شركات البورصة باحترامها، وإلزامها بموافاة سلطات المراقبة دوريا بالوثائق والمعلومات والتقارير المتصلة بوضعيتها المالية وتخويل مجلس القيم المنقولة صلاحية القيام بأبحاث لدى هذه الشركات للوقوف على مدى احترامها للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل واتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة في مواجهتها وتوقيع عقوبات عليها بهذا الشأن إن اقتضى الحال.

أما الباب الثاني من هذه الدراسة، فقد وقفنا خلاله على أن وعي المشرع بأهمية دور شركات البورصة في تنشيط السوق المالية، كان دافعا أساسيا لإقرار تدخل السلطات العمومية المكلفة بمراقبة السوق المالية في شؤون شركة البورصة المتعرضة لصعوبات مالية أو مؤسساتية، وإخضاع إدارتها وتسييرها لقواعد استثنائية، عن طريق تعيين مدير مؤقت تنقل إليه كافة الصلاحيات المتعلقة بالإدارة والتسيير، ويتولى تحت مراقبة وإشراف السلطات العمومية تقويم وضعيتها والحيلولة دون تطور هذه الصعوبات إلى الوضعية المختلة بشكل لا رجعة فيها المبررة لوضعها في حالة تصفية قضائية طبقا للقواعد الواردة في مدونة التجارة.

وقد تجسد الوعي المذكور أيضا من خلال إقرار تصفية كل شركة للبورصة لم تعد تتوفر على الشروط المالية والتقنية اللازمة لممارسة نشاطها في ظروف عادية، مع جعل هذه التصفية تباشر-خلافا للقواعد العامة- تحت إشراف السلطات العمومية المكلفة بمراقبة السوق المالية، وذلك بالموازاة مع سن قواعد خاصة بحماية العملاء من مخاطر هذه التصفية، حيث تم إحداث نظام خاص لتمكينهم من استرجاع سنداتهم ونقودهم المودعة لدى شركة البورصة التي تم إعلان تصفيتها وفق شروط معينة.

ثانيا: الاستنتاجات.

وإذا كان المشرع المغربي قد وفق إلى حد ما في تنظيم شروط ولوج المهنة- مع بعض التحفظات التي سجلناها في حينه، فإن الضوابط المتعلقة بمراقبة نشاط شركات البورصة تنطوي على اختلال واضح فيما يخص تأمين القواعد الأساسية التي تجعل من المراقبة التي تجريها السلطات العمومية تؤدي غرضها في إلزام شركات البورصة بالتقيد في مزاولة نشاطها بالقواعد المفروضة عليها؛ إذ بالإضافة إلى ضعف استقلالية مراقب الحسابات عن أجهزة إدارة وتسيير الشركة، فإن هيمنة وزير المالية على أجهزة المراقبة وضعف استقلالية مجلس القيم المنقولة في مواجهة السلطة التنفيذية وهيمنة شركات البورصة على الشركة المسيرة، وتهميش الجمعية المهنية لشركات البورصة عوامل كلها تحد من فعالية المراقبة المفروضة على شركات البورصة.

وقد مثلت دراسة العقوبات المفروضة على شركات البورصة مناسبة للبرهنة على صدق هذا الاستنتاج من خلال الوقوف على شواهد حية على ذلك الاختلال، سواء عند التعرض لشروط فرض العقوبة الحبسية على مسيري شركات البورصة الذين يخلون بقواعد المراقبة المفروضة عليها، والتي تتمثل في تعليق الحكم بالعقوبة الحبسية في جل الجرائم المتعلقة بمراقبة شركات البورصة على وجود مرتكب المخالفة في حالة عود وإعطاء المحكمة بالإضافة إلى ذلك الحق في الاختيار بين الحبس والغرامة، أو عند دراسة شروط تحريك الدعوى العمومية والتي تبقى رهينة بوجود شكوى سابقة أو مطالبة بالحق المدني صادرة عن مجلس القيم المنقولة، الأمر الذي يشكل من جهة عاملا مشجعا على عدم امتثال المسيرين للقواعد المتعلقة بالمراقبة المفروضة على نشاط شركات البورصة، ويساهم من جهة ثانية في تكوين قناعة لديهم باحتمالات عدم مساءلتهم جنائيا عن عدم انضباطهم لما قرره القانون بخصوص تمكين مجلس القيم المنقولة دوريا من بالوثائق والمعطيات التي من شأنها أن تساعده في القيام بمهامه في مراقبة نشاط شركات البورصة.

وقد لاحظنا في الإطار، أن القصور في آليات المراقبة المفروضة على شركات البورصة، تنتقل عدواه إلى المقتضيات المنظمة للوسائل التدخلية المقررة لمعالجة الصعوبات التي قد تعترض هذه الشركات، فبالرغم من كثرة المخاطر التي تحف عمل شركات البورصة، وأن جل الصعوبات التي تواجهها تكون مالية، فإن المشرع لم يهتم بأمر مد شركة البورصة الخاضعة للإدارة المؤقتة بالتسهيلات والمساعدات المالية التي من شأنها دعم قدراتها المالية، إذ لا وجود لأي نظام لتقديم الدعم المالي للشركة التي قد تعترضها صعوبات، الأمر الذي يعد اختلالا فجا في البنيان القانوني المنظم لهذه الفئة من الشركات، لا سيما وأنه لا يمكن الركون في هذا الباب وحده إلى القروض التي تقدمها المؤسسات البنكية، بفعل شروطها المتشددة وتكلفتها المرتفعة.

وإذا كانت شركات البورصة وفق ما انتهينا إليه في سياق تأويل مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 47 من قانون البورصة تبقى مستثناة من الخضوع لمساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة، لعدم تلاؤمها مع طبيعة الأنشطة التي تزاولها، وتظل في مقابل ذلك مخاطبة بالأحكام المتعلقة بالتصفية القضائية، فإن استنكاف المشرع المغربي عن تقرير قواعد خاصة بشركات البورصة لانجاز أشغال هذه التصفية تتلاءم وخصوصية عمليات البورصة، وترك الأمر خاضعا بهذا الشأن للأحكام العامة المقررة بموجب مدونة التجارة، وتغييب أي دور للسلطات العمومية في هذا الإطار، لا يساعد في إتمام عمليات التصفية المذكورة في أحسن الظروف، وذلك بفعل ما قد تؤدي إليه بعض المبادئ الخاصة بنظام صعوبات المقاولة من آثار سلبية تؤدي لاضطراب سير السوق واهتزاز ثقة المتعاملين فيه.

أما على مستوى القواعد المتعلقة بحماية العملاء، فقد سجلنا من خلال فحص ودراسة المقتضيات الخاصة بتشغيل صندوق الضمان الخاص بعملاء شركات البورصة، وبشروط الاستفادة من التعويضات التي يمنحها، أن الأمر لا يتعلق بنظام للتعويض بالمعنى الصحيح، وذلك نتيجة وضع حد أقصى لمبلغ التعويض الممكن منحه لكل عميل مهما كان حجم نقوده وعدد سنداته المودعة لدى شركة البورصة المصفاة، وتحديد سقف إجمالي للمبلغ الذي يمكن أن يتدخل به الصندوق في عمليات التعويض، وذلك علاوة على اتساع نطاق الضمان الذي يوفره الصندوق، وشمله لجميع الأموال والسندات المودعة لدى شركة البورصة المصفاة مهما كانت صفة أصحابها، مما يقلص من حظوظ العميل في الحصول على تعويض يساوي في مبلغه الحد الأقصى أو يقل عنه بقدر يسير بسبب التزاحم على المحاصة في موارد هذا الصندوق المخصصة لتعويض العملاء.

وإذا كانت هذه الشروط التي تقترن بها الاستفادة من التعويض الذي يمنحه صندوق الضمان لا ينجم عنها في أحسن الأحوال سوى حصول العملاء على تعويض هزيل بالمقارنة مع حقوقهم المستحقة على شركة البورصة التي خضعت للتصفية، فإن الكيفيات التي يتدخل بها الصندوق وما ينجم عنها من مزاحمته للعملاء في ناتج تصفية موجودات الشركة من أجل استرداد مبلغ التعويضات التي سبق أن أداها لهم، قد تزيد من تأزيم وضعية هؤلاء العملاء بشكل يفصح عن أن الأمر لا يتعلق سوى بألية لتسبيق مبالغ مالية للعملاء والحلول محلهم في اقتضاءها من الناتج التصفية.

ثالثا: الاقتراحات:

ومن أجل تجاوز هذه الاختلالات، فإن الأمر يقتضي تدخلا تشريعيا عاجلا لتعديل المقتضيات المؤطرة للوضعية القانونية لشركات البورصة، وذلك من أجل:

– تعزيز استقلالية مراقب الحسابات على مستوى شركات البورصة، وذلك بجعل تعيينه خاضعا للموافقة المسبقة لمجلس القيم المنقولة، مع تخويل هذا المجلس إمكانية إنهاء مهامه في حالات تراخيه أو عدم كفاءته في تنفيذ مهام المراقبة المنوطة به.

– تقليص سلطات وزير المالية لصالح مجلس القيم المنقولة الذي ينبغي تعزيز استقلاليته عبر الحد من هيمنة السلطة التنفيذية على تركيبته، والوصاية المفروضة على المؤسسات العمومية، وذلك عن طريق استثناءه صراحة من الخضوع للقانون المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المؤسسات العمومية، ومن الخضوع لسلطة الوصاية التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية، وتعويض ذلك بإحداث مندوب للحكومة يتولى مراقبة أنشطته لفائدة الدولة.

– الحد من هيمنة شركات البورصة على أجهزة إدارة وتسيير الشركة المسيرة لبورصة القيم، وذلك من أجل ضمان فعالية المراقبة التي تجريها الشركة المسيرة للتحقق من سلامة المعاملات وشفافيتها، لاسيما وأن جل هذه المعاملات تكون شركات البورصة طرفا رئيسيا فيها.

– إشراك شركات البورصة في تدبير سوق البورصة وضمان تمثيلها في مجلس القيم المنقولة عن طريق الجمعية المهنية لشركات البورصة بما يتيح لهذه الأخيرة إبداء رأيها في القضايا والقرارات التي تهم مهنة الوساطة البورصوية ضمانا لفعاليتها ونجاعة تطبيقها.

– الرفع من نجاعة العقوبات التأديبية المقررة لردع شركات البورصة عن طريق تمديد سلطة مجلس القيم المنقولة في الأمر بوضع حد للمخالفات وتوقيع عقوبات مالية إلى المخالفات الواقعة خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، دون تعليق هذه المسألة على استصدار أمر قضائي، وذلك على غرار ما هو معمول به بالنسبة للمخالفات المتعلقة بالدوريات الصادرة عن المجلس، أو قواعد الممارسة والأخلاق مهنية.

–  تشديد العقوبات الزجرية المفروضة على المسيرين الذين يعيقون عمل السلطات المكلفة بمراقبة شركات البورصة، وذلك بالجمع بين العقوبات الحبسية والمالية، ودون تعليق النطق بالعقوبة الحبسية على وجود المخالف في حالة عود، أو تخويل المحكمة السلطة التقديرية في الاختيار بينهما.

– تخويل النيابة العامة صلاحية تحريك الدعاوى العمومية المتعلقة بالجرائم المرتكبة من طرف شركات البورصة تلقائيا دون تقييد ذلك بوجود شكوى سابقة أو مطالبة بالحق المدني صادرة عن مجلس القيم المنقولة.

– تمكين شركات البورصة من وسائل للدعم المالي يتم إعمالها عبر إلزام صندوق الضمان بتقديم مساعدات مالية قابلة للإرجاع لفائدة الشركات التي تواجه صعوبات مالية استدعت وضعها تحت نظام الإدارة المؤقتة، بعد أن تقدم خطة للتقويم يقبلها مجلس القيم المنقولة.

– تقرير استثناء شركات البورصة من الخضوع لمساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة بنص صريح لعدم تلائم هذه المساطر مع الطبيعة الخاصة لشركات البورصة، ووضع ضوابط خاصة بالتصفية القضائية لهذه الفئة من الشركات تتلاءم والطبيعة التقنية لعمليات البورصة، مع تخويل السلطات العمومية دورا مهما في إنجاز هذه التصفية.

– إعادة النظر في تنظيم صندوق ضمان عملاء شركات البورصة لتمكينه من التوفر على السيولة اللازمة لتعويض العملاء بكيفية عادلة، وهو ما يقتضي الارتقاء به إلى مصاف الأشخاص المعنوية، والعمل على توسيع مصادر موارده المالية وتنويع أساليب استثمارها.

-إعادة النظر في الشروط والضوابط التي يتم تعويض عملاء شركات البورصة على أساسها، وذلك عبر تقليص نطاق الضمان الذي يوفره الصندوق، باستبعاد السندات والمبالغ العائدة لمسيري شركة البورصة الخاضعة للتصفية، وأقاربهم إلى غاية درجة معينة، وللشركات التي تكون لها مع الشركة المصفاة، روابط رأس مال تخول لإحداها سلطة مراقبة فعلية على الأخرى، من مشمولات الضمان الذي يغطيه، والرفع من الحد الأقصى لمبلغ التعويض الممكن منحه لكل عميل، مع التقيد في هذا التعويض بنسبة معينة من مجموع الحقوق لا يمكن النزول عنها، وهو ما يستدعي حذف السقف الأقصى للمبلغ الإجمالي للتعويضات الممكن للصندوق منحها.

– تقرير تأخر صندوق الضمان في استرجاع مبالغ التعويضات التي قام بتسديدها للعملاء من ناتج التصفية إلى حين استيفاء جميع العملاء لمستحقاتهم كاملة.

وإذا كان إقرار هذه الإصلاحات يعتبر مدخلا أساسيا لتأهيل مهنة الوساطة البورصوية وتمكينها من أداء دورها في تنشيط السوق المالية بشكل فعال، فإنها تبقى في حد ذاتها غير كافية لوحدها في النهوض بوضعية الشركات المذكورة ما لم تتم مواكبتها بمخطط يرمي إلى تحسيس مختلف الفاعلين الإقتصاديين بأهمية البورصة في تلبية احتياجاتهم المتعددة، لأن ما هو متوفر من معطيات بخصوص تجربة السوق المالية بالمغرب يبين بالملموس أن ضعف مركز شركات البورصة ومحدودية نشاطها يعزى في جانب كبير منه إلى الركود الذي يطبع هذه السوق، الأمر الذي يجعل من تأهيل وسطاء البورصة يرتبط بهدف أكبر يتحدد في النهوض بالسوق المالية كمنظومة متكاملة والرفع من مردوديتها عن طريق كسب رهان إنعاش التعاملات المالية فيها، وهو ما يقتضي تظافر الجهود لتشجيع المدخرين والمستثمرين لولوج هذه السوق وتحسيسهم بمزاياها وأهميتها- سواء من حيث ما تتيحه من تمويل مناسب لمشاريعهم الاستثمارية أو من حيث ما توفره من طرق لتوظيف أمثل لمدخراتهم-، ومساعدتهم تجاوز الأفكار والتصورات السلبية التي تقترن بها لديهم، والتي تعتبر من أهم العوائق التي تحول دون ولوج العديد منهم لهذه السوق.